لماذا لا يصح مقارنة علم الهوية البنيوية الكلية بعلم البنيوية؟
- ali hamzah
- 6 يوليو
- 5 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: قبل 6 أيام

في الآونة الأخيرة، وردتني أسئلة متكررة عن العلاقة بين علم الهوية البنيوية الكلية الذي أتشرف بتأسيسه، وبين ما يُعرف في الفكر الغربي بـ "علم البنيوية" (Structuralism).وقد بدا لي أن هذا السؤال مفهوم من حيث الظاهر، لكنه بحاجة إلى توضيح علمي دقيق لبيان الفارق الجوهري بين المسارين.
🔹 أولًا: البنيوية تيار فكري فلسفي، وليست علمًا تطبيقيًا
ما يُعرف بـ "البنيوية" ظهر في أوروبا في القرن العشرين كاتجاه فلسفي ونقدي لتحليل اللغة والأدب والمجتمع، بجهود دي سوسير، وليفي ستراوس، ورولان بارت وغيرهم، حيث سعوا لتحليل البنى الداخلية للغة والثقافة لفهم العلاقات بين المكونات.لكنها بقيت في إطار فلسفي نقدي يدرس "البنية كفكرة"، دون أن تتحول إلى نظام علمي قابل للقياس أو التطبيق الواسع.
🔹 ثانيًا: علم الهوية البنيوية الكلية علم تأسيسي تطبيقي
ما نقدمه اليوم في علم الهوية البنيوية الكلية هو مشروع علمي تأسيسي حديث، يخرج من الدوائر الفلسفية إلى بناء نظام عملي:
قائم على سبعة مستويات تحليلية تربط بين الموجد والسببية والفكرة والقدرة والتكوين والسيطرة.
يستخدم تسعة أنماط بنيوية و 45 برنامجًا لغويًا وظيفيًا.
قابل للنمذجة، التحليل الرقمي، والتحويل إلى تطبيقات في الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، الأمن، التعليم، والوعي المؤسسي.
يسعى لتحويل مفهوم الهوية من غموض فلسفي إلى نظام قياس واستشراف وتوجيه علمي.
🔹 ثالثًا: هدف العلمين مختلف كليًا
البنيوية تهدف لفهم النصوص والثقافات من خلال البنى الخفية.
علم الهوية البنيوية الكلية يهدف إلى فهم الإنسان والظواهر والكيانات والمجتمعات والأحداث عبر أنماط الهوية القابلة للقياس والنمذجة.
🔹 رابعًا: نطاق التطبيق
البنيوية محدودة في الأدب واللغة والفكر النقدي.
علم الهوية البنيوية الكلية قابل للتطبيق في تحليل الأفراد، المؤسسات، المجتمعات، الأزمات، بناء الأنظمة الذكية، تطوير التعليم، الأمن السيبراني والمعرفي، وأكثر.
✦ جدول: تطبيقات البنيوية – نقدها – مقارنة مع علم الهوية البنيوية الكلية
🟩 المجال | 🟧 تطبيقات البنيوية | 🟥 نقدها ومحدوديتها | 🟦 مقارنة مع علم الهوية البنيوية الكلية |
الأدب والنقد | تحليل النصوص عبر العلاقات الداخلية (Propp، Todorov) | بقيت تحليلية، غير قابلة للقياس أو البرمجة، تعتمد على الانطباعات | يقدم العلم تحليلًا بنيويًا للنصوص وفق مستويات (الموجد، الفكرة، التكوين) وأنماط قابلة للقياس وإنتاج مخرجات قابلة للبرمجة |
الأنثروبولوجيا | دراسة الأساطير والعادات كبنى علامات (Levi-Strauss) | لم تُنتج نماذج علمية أو أدوات قياس ميداني مستمر | يمكن تحليل المجتمعات والعادات بنظام نمطي وزمني يقيس مستوى التحول البنيوي ويدعم الاستشراف |
اللغويات | دراسة اللغة كبنية علامات مستقلة (De Saussure) | تجاهلت السياق، لا تدرس الوعي والفاعل | يقدم العلم تحليلًا للغة بوصفها أداة توليد للهوية ضمن بنية الوعي والذاكرة |
الاقتصاد | محاولات في أمريكا اللاتينية لتحليل البنى الاقتصادية | لم تُنتج أدوات قياس أو نماذج اقتصادية فعالة، ظلت نظرية | يقدم العلم نمذجة اقتصادية عبر تحليل الهوية البنيوية للسوق والمنتجات والكيانات والمؤسسات |
الفلسفة العامة | محاولة فهم الثقافة كبنية كلية | لم تقدّم حلولًا عملية أو قابلة للتطبيق | العلم يقدم حلولًا تطبيقية في الأمن، التعليم، الذكاء الاصطناعي، البيانات |
✦ ملخص نقدي:
🔸 البنيوية الكلاسيكية:
قدمت رؤية تفسيرية فلسفية للبنى الداخلية للغة والثقافة والنصوص.
ظلت نصية، تحليلية، غير قابلة للقياس أو التحويل البرمجي.
تجاهلت البعد الزمني، الوعي، الذاكرة، والفاعل في التحليل.
🔸 علم الهوية البنيوية الكلية:
✅ يقدم نظامًا علميًا مؤسسًا على مستويات تحليلية واضحة.
✅ يستخدم الزمن والذاكرة كأدوات تحليلية جوهرية.
✅ قابل للتطبيق في الذكاء الاصطناعي، الأمن، التعليم، البيانات، الاقتصاد.
✅ يُحوّل تحليل الهوية إلى أداة قياس ونمذجة قابلة للتحويل الرقمي.
هل علم الهوية البنيوية الكلية امتداد للبنيوية الغربية أو يتماهى مع تركيبتها الفلسفية أو المعرفية؟
🔹 1️⃣ علم الهوية البنيوية الكلية ليس امتدادًا للبنيوية الغربية:
البنيوية الغربية (Structuralism) هي مدرسة فلسفية نشأت في الغرب في منتصف القرن العشرين، جعلت البنية (structure) هي العامل المفسر الوحيد للغة والمجتمع، دون اعتبار للغيب أو للقيم العليا أو للغاية من الوجود.
جاءت بعد ذلك ما بعد البنيوية لتفكك حتى مفهوم البنية نفسه، وانتهت إلى العدمية والاأدرية ونفي الثبات والمعنى المطلق.
🔻 أما علم الهوية البنيوية الكلية:
فهو علم مستقل من حيث التأسيس والفلسفة والغاية، نشأ من داخل المنظومة الإسلامية والتوحيدية، ويعتبر الغيب والغاية الإلهية جزءًا من العلم والفهم.
يستخدم مصطلح “البنيوية” بمعناه اللغوي العربي الأصيل (أي دراسة البنية والهيكل المنظم للأشياء) وليس بالحمولة الفلسفية الغربية.
ينظر إلى الإنسان كخليفة مسؤول حر الإرادة، مرتبط بغاية خلقية ومقاصد شرعية، لا كنتاج لبنى لغوية واجتماعية فقط.
🔹 2️⃣ لا يتماهى مع تركيبة البنيوية الفلسفية أو المعرفية:
الفلسفة:
البنيوية الغربية: لا ترى للوجود غاية، ترفض المطلقات، تتجاهل البعد الروحي.
علم الهوية: يرى الوجود مرتبطًا بغاية خلقية ومراد إلهي، ويربط المعرفة بالتزكية والعمران، ويعتبر العلم وسيلة لعبادة الله.
المعرفة:
البنيوية: المعرفة محصورة في دراسة العلاقات بين العلامات اللغوية والبنى الاجتماعية.
علم الهوية: المعرفة أداة للفهم الشامل للإنسان والكون، لفهم مقاصد الله وإعمار الأرض، ويعتمد التحليل البنيوي كأداة تنظيمية فقط، لا كمنهج فكري مستقل.
🔹 3️⃣ المصطلح في علم الهوية البنيوية الكلية وظيفي تنظيمي، لا فلسفي:
✅ تم استخدام كلمة “البنيوية” لتدل على دراسة “بنية الهوية” وتحليل مستوياتها وأنماطها وعلاقاتها الداخلية، وليس كمصطلح فلسفي غربي.
✅ يرفض علم الهوية الانخراط في الفلسفة العدمية أو الفلسفة التي تنكر الغيب أو تهدم الثوابت.
📌 الخلاصة المحكمة:
✅ علم الهوية البنيوية الكلية علم مستقل غير تابع للبنيوية الغربية.
✅ لا يتماهى مع تركيبتها الفلسفية أو المعرفية، بل يستخدم التحليل البنيوي كوسيلة تنظيم علمية، مع بقاء الأصول العقدية والقيمية مرجعية عليا في العلم.
✅ هو علم توحيدي النهج، إصلاحي المقصد، معرفي الغاية، وظيفي الأدوات، يربط العلم بالإيمان والوجود بالغيب.
البنيوية: المفهوم والمصطلح في علم الهوية البنيوية الكلية
1️⃣ أصل كلمة “البنيوية” في اللسان العربي:
جذر الكلمة: “بنى، يبني، بناء، بنية”
البنية: ما يُبنى عليه الشيء من هيكل أو تركيب.
يُقال في العربية: “بنية الجملة”، “بنية الكلمة”، “بنية الإنسان” بمعنى تركيبه وهيكله المنظم.
المعنى الفردي والسياقي:
في اللسان العربي الأصيل، “البنيوية” لا تعني مدرسة فلسفية ولا تيارًا عقديًا، بل تعني:
✅ وجود “نظام داخلي” للأشياء، يُمكن دراسته وتحليله وفهمه.
✅ السياق يحدد المعنى:
إذا قيل “البنيوية في اللغة” → تحليل هيكل اللغة.
إذا قيل “البنيوية في الهوية” → تحليل الهيكل الداخلي للهوية لفهم مستوياتها وأنماطها.
2️⃣ لماذا استُخدم المصطلح في علم الهوية البنيوية الكلية؟
علم الهوية البنيوية الكلية يدرس “الهوية” بوصفها بنية مركبة متعددة المستويات والأنماط والبرامج والسلوكيات، وليس كمفهوم شعوري أو انطباع مجرد.
يستخدم “البنيوية” بمعناها الأصيل: دراسة الهيكل المنظم داخليًا، وليس بمعناها الفلسفي الغربي.
يستعيد الكلمة إلى معناها العربي اللغوي، ويعيدها إلى مكانها الوظيفي التحليلي.
3️⃣ فصل المصطلح عن المعتقدات:
🔹 علم الهوية البنيوية الكلية لا يرتبط بفلسفة البنيوية الإلحادية الغربية التي:
أنكرت الغيب.
تجاهلت الحكمة الغائية للوجود.
استبدلت الإيمان بالإنسان كإله.
انتهت إلى العبثية أو التفكيكية.
🔹 بل يرتبط هذا العلم بالعقيدة التوحيدية، ويجعل “الهوية” وسيلة لفهم النفس والوجود في ضوء مراد الله، وتحقيق مقاصد الشريعة في التزكية وإعمار الأرض.
🔹 المصطلح هنا وظيفي تحليلي فقط، يُعيد للكلمة هيبتها في مكانها، ويمنع اجترار المعنى على غير مراده.
4️⃣ كيف يُبنى المصطلح في علم الهوية البنيوية الكلية؟
✅ البنيوية = بنية + علمية + قابلية للقياس + ارتباط بالقيم.
يُبنى المصطلح ضمن العلم ليعني:
دراسة “بنية الهوية” بمستوياتها (الموجد، السببية، الفكرة…).
تحليل “أنماط الهوية” ومعرفة الطاغي منها.
فهم العلاقات والبرامج التي تبني الهوية داخل الإنسان أو الكيان أو المكان.
استخدام هذه البنية لفهم الواقع وتقديم حلول عملية، مع الحفاظ على المرجعية العقدية والأخلاقية.
✨ الخلاصة:
إن مقارنة علم الهوية البنيوية الكلية بـ "البنيوية" يشبه مقارنة الهندسة الرياضية بالرياضيات الفلسفية القديمة؛ تشابه لفظي ظاهري، لكن اختلاف في الطبيعة، الغاية، والأثر.
إن ما نسعى إليه اليوم ليس إعادة إنتاج الفلسفة، بل تقديم علم تأسيسي يعيد ترتيب العلاقة بين الإنسان، المعرفة، والهوية، ويحوّلها إلى أداة بناء لا أداة تأمل فقط.
وهذه دعوة لكل باحث ومفكر ومؤسسة علمية لتبنّي هذه الرؤية، ليس فقط كعلم جديد، بل كمنهجية سيادية لإنتاج المعرفة العربية الحديثة، تُعيد للعالم العربي دوره التاريخي في إنتاج العلوم لا استهلاكها.
Comments