أن ترى الأشياء كما هي
- علي الغبيشي
- 20 يوليو
- 2 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 21 يوليو

في رواية مجلس الهوية، نُدرك تدريجيًا أن أكبر عائق أمام وعينا ليس الجهل، بل الأحكام المسبقة التي نضعها على كل شيء قبل أن نراه كما هو.
إننا لا نرى الأشياء والأحداث بوضوح، بل نراها عبر عدسات تجاربنا الماضية، ومخاوفنا، وأحكام المجتمع، فنرى الألم عدوًا، ونرى الخسارة نهاية، ونرى الفرح غفلة مؤقتة، ونرى الآخرين كمقارنات مستمرة، لا كمسارات مستقلة.
الرؤية الملوّنة بالخوف والتوقعات
في كثير من أحداث الرواية، نجد البطل يقف أمام الأحداث اليومية، من فقدان أو تأخير أو لقاء أو كلمة عابرة، ويجد نفسه يُفسر كل ذلك وفق “قصصه القديمة”، فيظن أن كل تجربة مؤلمة ستتكرر، وأن كل تأخير هو فشل، وأن كل كلمة تحمل نية سيئة.
لكن مع سيره في رحلة الهوية، يبدأ في التعلم أن يرى الأحداث والأشياء كما هي، مجردة من توقعاته وأحكامه، فيصبح قادرًا على رؤية الحقائق دون ضجيج داخلي.
كيف يساعدنا هذا الوعي؟
حين نرى الأشياء كما هي:
✅ نرى الألم كأداة للنضج، وليس كعقوبة.
✅ نرى الخسارة كتحويل لمسارنا نحو ما نحتاجه حقًا.
✅ نرى الأشخاص بعيوبهم ومميزاتهم دون مبالغة في المثاليات أو الإدانة.
✅ نرى الفرح كحق طبيعي لنا، وليس كشيء نخشى فقدانه.
بين النظرة العادية والرؤية الحقيقية
هناك فرق كبير بين “النظر” و”الرؤية”.
النظر عملية بيولوجية، أما الرؤية فهي عملية روحية وعقلية، تحتاج إلى الهدوء والصمت الداخلي، تحتاج إلى التخلص من الضغائن والأحكام، تحتاج إلى قلب مطمئن لا يبحث عن إثبات نفسه في كل حدث، بل يبحث عن التعلم منه.
في رواية مجلس الهوية، عندما يصل البطل إلى لحظة إدراك، فإنه يرى “الأشياء كما هي” لأول مرة، فيشعر بالسكينة رغم التحديات، لأنه لم يعد يقاوم الحقيقة، بل يراها، ويتقبلها، ويختار كيف سيتعامل معها.
أن ترى نفسك كما أنت
ليس المطلوب فقط أن ترى الآخرين والأحداث كما هي، بل أن ترى نفسك كما أنت، بلا مبالغة في القوة أو جلد للذات، بلا تقليل من قيمة نفسك أو غطرسة زائفة.
حين ترى نفسك بصدق، تدرك أنك لست مطالبًا بالكمال، وأنك في رحلة تعلم مستمرة، وأن قيمتك في كونك إنسانًا يسعى، لا في كونك شخصًا لا يخطئ أبدًا.
العلاقة بعلم الهوية البنيوية الكلية
علم الهوية البنيوية الكلية قائم على “رؤية الحقيقة” بوعي ودون انحراف بالتفسير، لأنه لا يمكنك بناء هوية صحيحة إذا لم ترَ نفسك والأحداث والزمان كما هي.
الرواية تمهّد لهذا العلم عبر القصص والمواقف الرمزية، حيث تعطي القارئ فرصة لتجربة عملية في إزالة الأحكام الداخلية، وملاحظة كيف يؤثر وعيه وتفسيره للأحداث على قراراته وتكوينه الداخلي.
كيف تبدأ في رؤية الأشياء كما هي؟
1️⃣ توقف عن تفسير كل حدث بسرعة، واسأل: “هل هذه الحقيقة أم تفسيري؟”
2️⃣ تدرّب على تأجيل الحكم على الناس حتى ترى نياتهم وأفعالهم على المدى الطويل.
3️⃣ استشعر الأحداث دون مقاومة، واسأل: “ما الذي يمكن أن أتعلمه من هذا؟”
4️⃣ مارس الامتنان للأحداث التي تكشف لك دروسًا في الحياة، مهما بدت مؤلمة.
5️⃣ اجلس مع نفسك أسبوعيًا لمراجعة مواقفك، وسجل كيف كان حكمك، وماذا تعلمت بعد مرور الوقت.
خاتمة:
أن ترى الأشياء كما هي، نعمة كبرى تمنحك السلام الداخلي والقدرة على التعامل مع الحياة بوعي، بدلًا من الصراع المستمر مع التوقعات والأوهام. إنها الخطوة الأولى لبناء هوية مستقرة، وهوية حرة من قيود التفسير الخاطئ، لتصبح أنت قائد حياتك، لا الظروف ولا الأحكام المسبقة.
“ما الموقف الذي رأيته بعد مرور الوقت بشكل مختلف، فاكتشفت الحقيقة وراءه؟”
Comments